قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الثالث)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الثالث)
ولاطفتها ، وحدثتها حديث القلب للقلب عن خوفي
عليها .. وقلقي على مستقبلها ، ورجوتها أن تنتبه
لنفسها .. وختمت ذلك بمزحة ، فقلت : - إن عاهدتني
أن تلتزمي بما قلت لك اشتريت لك أسكريم (كون زون)
أو (باسكن روبنز) ، لكن باسكن روبنز أمريكي ، وأنا
مقاطع البضائع الأمريكية .. ضحكت ببراءة الآمن في
سرية ، وقالت بعفوية أخذت قلبي : - أبغى اكتب اسم
الاسكريم .. حتى إذا رحت للمدرسة أقول للبنات إني
أكلته .. ثم أضافت : - أبلا نوره .. دائما تنهي
الحصة بتذكيرنا بمقاطعة البضائع الأمريكيــة ..
لكن .. ثم سكتت قليلا .. لتقول : .. البنات في
الفسحة يعلقون على (أبلا) نورة ، ويقولون :
"الأبلا ساكنة في شمال الرياض .. وتحسب الناس كلهم
مثلها ، يستطيعون أن يشتروا بضائع أمريكية" .
أندفع الدم إلى وجهي ، وشعرت كأنما لفحتني موجة
حارة .. إنها فوقية المترفين .. إنها (ماري
أنطوانيت) ، التي تطالب الجائعين ، الذين يتظاهرون
من أجل الخبز .. أن يأكلوا (بسكويت) .. أوهي (أبلا
نورة) .. التي تطالب الجوعى والعراة .. أن لا
يشتروا من (مكس) ، أو (نكست) ، أو (فرساتشي) ..
كيف لا تقرأ (أبلا نورة) هذا الوجع والبؤس ..
الساكن في كل قسمة من قسمات تلك الوجوه ، وهي
تصافح عينيها كل صباح .. كيـف تستطيـع أن تعيش في
عالمين منفصلين ..؟ كيف يصنع الترف كل هذه الحجب
الغليظة من البلادة .. واللامبالاة بمعاناة الآخر
.. ووجعه .. وبؤسه ..؟ كيف يهوي الانسان (في
داخلنا) إلى تلك الاعماق السحيقة ، فلا يسمع منه
زفرة ألم .. ولا يتسلل من تلك اللجة الجليدية ..
شئ من مشاعر .. صرخة واهية .. تجاه الحرمان الذي :
يخنق أحلام الصبايا .. يغتال الفرحة في عيون
الأطفال .. ويقتل الكبرياء في جباه الرجال ...؟ ،
، لست وحدك .. هناك ألافا مثلك .. وألافا مثل نورة
.. حينما استقريت على المعقد ، بتلك الحالة
المتوترة ، تطلب الأمر مني وقتا ، لأخرج المفتاح
من جيبي .. ولاحظت ذلك .. عندما بدأت أدير المفتاح
، لتشغيل السيارة ، صدحت اغنية من (الراديو) ،
الذي يبدو أنها قد عبثت به أثناء غيابي .. كان
المغني يردد : "زمانك لو صفا لك يوم ... زمانك ما
صفا لك دوم وعينك لو أهتنت بالنوم ... ترى الأيام
دواره ترى الايام دواره .." للحظـة .. استسلمت
لكلمات الأغنية ، التي فتقت جرحا جديدا .. ثم
أقفلت الراديو .. بانفعال . قالت ، وكأنها تريد أن
تخفف من حدة التوتر ، الذي لاحظته على ، حينما عدت
: - الاغنية كلماتها حلوة .. صح ..؟ لم أرد عليها
.... - ما تسمع أغاني ..؟ - لا .. - حرام ..؟ -
نعم .. - أنت كنت تسمع قبل (شوي) .. - أنت تحققين
معي ..؟ - أنت زعلان .. أنا سألتك .. لأن فيه
معلمة عندنا تقول ، الذي يسمع أغاني كافر .. - لا
.. ليس كفر .. لكن حرام .. - ما فهمت .. - سماع
الأغاني معصية .. ويفسد الأخلاق .. وأنت ما أفسدك
إلا سماع الأغاني . - يعني أنا فاسدة ..؟ ، ، ، -
هذا الذي قمت به .. ماذا تسمينه ..؟ - ...... ران
الصمت بيننا .. بدأ الندم يأكل نفسي .. لقد هدمت
كل ما بنيت هذا الصباح .. بلحظة غضب . أشعر أني
انتقم لنفسي منها .. أن تورطت بها .. أضاعت وقتي
.. وأوقعتني في حيرة .. وحملتني مسئولية الحفاظ
عليها .. أنا الذي لم أعش إلا لنفسي فقط ..
وتحاشيت كثيرا أن أصيخ سمعي لوجع الناس .. أو أجرح
ناظري بمشاهد البؤس والحرمان .. مازالت الذاكرة
تكويني ، باسترجاع تلك المناظر التي رأيتها ..
وبتذكر ذلك الأنين .. الذي اجتاح هدوئي ، في
(مغامرتي) اليتيمه في حي (الأمل) مع عبدالكريم ..
كيف أريد علاجها ، وأنا قد شرعت بإدانتها ..
وتجريمها ..؟ قلت ، بعد أن أستعدت هدوئي ، وبلهجة
بالغت بأن أشعرها من خلالها بالمحبة والحنان : -
موضي حبيبتي .. أليس هذا الذي فعلتيه خطأ ..؟ - صح
.. لكن خلني أسألك سؤال .. أعطني فرصة .. أقول لك
شيء .. - أنا الذي أريد أن أسألك سؤالا .. .. من
هو الشخص الذي كنت معه الصباح ..؟ - لا أعرفه .. -
تركبين مع شخص لا تعرفينه ..؟ - والله العظيم لا
أعرفه .. أصل الموضوع .. البندري .. وأخذت تبكي ..
وتوقفت عن الكلام .. - تكلمي يا موضي .. أرجوك ..
- "أنا شفت إكسسوارات حلوة على زميلتي البندري ..
أعجبتني .. قالت لي : أعجبتك ..؟ قلت لها نعم ..
قالت قولي لأبوك يشتري لك مثلها .." هي تعرف أن
الوالد غير موجود .. لكنها .. وانخرطت بنوبة بكاء
أشد مما سبق .. تركتها حتى سكنت ، وأنا أكثر فضولا
لمعرفة التفاصيل . ، ، شعرت أن المسألة أكبر من
طيش مراهقة ، إلا أنـي لم أجرؤ أن أطلب منها
مواصلة الحديـث . لكنها ، حينما ألتفتت تطلب مني
منديلا تمسح به دموعها ، رأت اللهفة في وجهي ،
لمعرفة تفاصيل الموضوع ، ورأيت أنا في عينيها
انكسارا يذيب الحجر الأصم .. استأنفت الحديث : -
البندري تعرف أن الوالد غير موجود .. لذلك ، قالت
لي : "وإذا ما عندك أب .. لازم يكون لك (صاحب) ..
تطلعين معه .. يشتري لك اللي تبين .. ويؤكلك في
المطاعم" .. قلت للبندري : أنا ما أعرف أحد ، قالت
: "ما يهمك .. أنا أعطيك رقم واحد .. عنده سيارة
(كشخه) .. تكلمينه .. "فعلا .. كلمته أكثر من مره
.. وسمعني كلام حلو .." أمس قال لي .. الصباح لا
تمشين للمدرسة .. روحي للشارع العام .. وأجـيء
أخذك من هناك الساعة 7 " .. فعلا .. رحت للشارع
العام .. وجاء الشخص الذي رأيتني معه ، وركبت ..
كان أول شيء قال لي : "أنا أحبك يا موضي ..
البندري كلمتني كثيرا عنك .. أنت تستأهلين كل خير
.. أنت بس تدللي .." . بعد ما مشينا بفترة بسيطة ،
قال إن فيه (جمس) ، مثل سيارة الهيئة يمشي خلفنا
.. ثم أسرع .. وصدمنا فيك .. كنت أستمع إليها
مذهولا .. أحاول أن أكذب سمعي .. - ومصدقة انه
يحبك ..؟ - لا .. طبعا .. كلام فاضي .. - وأنت
صدقتي البندري .. يمكن الذي اشترى لها الاكسسوارات
أبوها .. ؟ - لا .. أبوها غير موجود .. أمها مطلقة
.. وهي ساكنة مع أمها .. وأبوها ساكن في مدينة
ثانية .. ولا يعترف فيهم ... شعرت برغبة حقيقية
بالبكاء .. البندري أيضا ضحية .. بيت ممزق .. وفقر
.. ألعن من .. غير إبليس ..؟ ، ، - وأنت .. الوالد
أين هو ..؟ ترددت برهة من الوقت .. ثم قالت : -
مسجون ... ثم أضافت ، وقد استحال وجهها إلى الأصفر
الشاحب : .. ولا عندنا أحد يصرف علينا .. في هذه
اللحظة لم أملك أن أمنع نفسي عن البكاء .. أوقفت
السيارة على جانب الطريق ، وبدأت أبكي بكاء صامتا
.. بنفسي هذه الطفلة .. وألاف غيرها .. ألعن من ..
غير إبليس ..؟ جوفي كان يشتعل غيظا .. وعجزا ..
وإحتقارا ، لذات .. ظلت طويلا .. في منفاها
الجليدي ، لا تحس بلهيب المعاناة لبشر .. يتحالف
الفقر ، والحرمان ، والأهمال .. مع (القوانين)
المتخلفة ، والبيروقراطية القبيحة .. المسخ ، في
إذلالهم .. كنت منغمسا في لحظة وجع حقيقي .. أغلق
الدمع عيني ، فلم أعد أرى شيئا ، عندما سحبت يدي
وقبلتها ، وهي تقول بعينين دامعتين ، ووجه صار
مرتعا للألم فقط : - تبكي من أجلي .. يا ليتك ..
يا ليتك .. ثم خنقتها العبرة .. كنت قد عزمت على
أمر بخصوصها .. وأنا أعود إلى السيارة ، بعد أن
تركتها لأصلـي الظهر ، في مسجد على الطريق .. وقع
في نفسي أن أمرها ، يحتاج حلا جذريا .. بعد خروجي
من المسجد ، فوجئت بعدم وجودها في السيارة .. شعرت
كأنما يد قد اخترقت صدري .. وانتزعت قلبي منه ..
تساءلت ..: أين تكون ذهبت ..؟ .. هل هربت ..؟
انتابني شعور مزيج من القلق والسخط .. أشد شيء
آلمني .. إحساسي أنني بعد كل الذي صنعته من أجلها
.. لم تثق بي . ليس أقسى من أن تفقد الثقة .. أو
لا تكون محل ثقة .. لإنسان تحبه . ، كنت على هذه
الحال ، إذ رأيتها تخرج من مصلى النساء .. فأشرق
وجهي .. وأحسست قلبي يعود إلى مكانه .. صرت أخاف
عليها .. وفرحت أنها حريصة على الصلاة .. تبقى
الصلاة ذلك الرباط الوثيق ، الذي يشد الانسان إلى
الخير والفضيلة ، مهما إجتالته الشياطين .. يؤلمني
كثيرا مشهد الانسان الذي لا يصلي .. أشفق عليه من
النهاية البائسة .. أحس أن الصلاة هي العتبة
الأخيرة .. التي يقف الإنسان عليها ، قبل أن يهوي
.. إذا ما تركها ، إلى درك .. يكون فيه ، هو
والحيوان سواء .. قالت وهي تفتح الباب لتركب : -
خفت تطلع من المسجد .. ولا تلقاني .. ثم تروح
وتتركني .. فاستعجلت بصلاتي .. تنهدت ، وقلت في
سري : - "أنا الذي خفت .. أنك رحتي وتركتيني .."
صارت بالنسبة لي ، حبلي الوحيد إلى الحياة
(الحقيقية) ... التحدي الحقيقي لاستعادة إنسانيتي
المهدرة .. الشمعة التي تتقد لتنثر الضوء ، والدفء
في صقيع أعماقي المظلمة .. في الطريق إلى المدرسة
قلت لها : - قبل أن أنزلك عند المدرسة أريد أن نمر
من عند بيتكم ، حتى أعرف مكانه .. ردت بتوجس ،
وكأنها شكت أني سأذهب بها إلى أهلها : - لماذا
...؟ - يمكن أزوركم الليلة .. - والله ..؟ -
إحتمال .. تعرفت على موقع البيت ، ثم توجهت بها
إلى المدرسة .. لم تكـن الطالبـات قد خرجن بعد ..
فانتظرنا في السيارة في شارع مجاور .. كانت أسراب
الطالبات قد بدأت بالخروج من بوابة المدرسة عندما
بادرتني قائلة : - ما قلت لي إسمك .. - محمد ..
نزلت .. وأغلقت الباب .. وبعد بضع خطوات ألتفتت
نحوي ولوحت بأطراف أنا ملها .. خرجت من حي (الأمل)
.. أحمل قلبا .. و(أملا) .. وإنسانية مستعادة ..
عند إحدى الاشارات ، نبهني سائق السيارة الذي
بجواري ، إلى أن الباب لم يغلق جيدا .. التفت
لأغلقة ، فوجدت قصاصة ورقة .. كانت قد كتبتها ..
وتعمدت أن تتركها لأجدها.. قرأتها .. ثم دسستها في
جيبي .. وتأكدت مرة أخرى أن البراءة لو تمثلت
إنسانا ، وسارت على الأرض ، ومشت بين الناس ..
لكانت هي .. صليت العشاء في نفس المسجد .. ثم
أنطلقت باتجاه بيتهم .. كنت قد عرفت منها عدد
إخوانها وأخواتها ، واتفقت معها أن تذكر لأمها أن
إحدى المعلمات تجمع معلومات عن الأسر المحتاجة ،
وأنها قد استدعتها وطلبت منها معلومات عن بيتهم
وأسرتهم .. وصلت .. وقرعت الباب .. كنت مرتبكا
قليلا . أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما
حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق
من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش)
.. بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد ..
تساءلت في نفسي .. : أي واقع إجتماعي سيتشكل ،
عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم
الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى
التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ،
والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟ هل يمكن أن
يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري ..
وموضي ..؟ من أين جاء مفهوم (الصاحب) .. الذي يوفر
ما عجز عن القيام به (الأب الغائب) .. مسجونا كان
.. أو مطلقا .. أو ميتا .. أو حتى عاجزا .. متخليا
عن دوره ..؟ من المسئول عن نشوء مثل هذا (العجز)
عليها .. وقلقي على مستقبلها ، ورجوتها أن تنتبه
لنفسها .. وختمت ذلك بمزحة ، فقلت : - إن عاهدتني
أن تلتزمي بما قلت لك اشتريت لك أسكريم (كون زون)
أو (باسكن روبنز) ، لكن باسكن روبنز أمريكي ، وأنا
مقاطع البضائع الأمريكية .. ضحكت ببراءة الآمن في
سرية ، وقالت بعفوية أخذت قلبي : - أبغى اكتب اسم
الاسكريم .. حتى إذا رحت للمدرسة أقول للبنات إني
أكلته .. ثم أضافت : - أبلا نوره .. دائما تنهي
الحصة بتذكيرنا بمقاطعة البضائع الأمريكيــة ..
لكن .. ثم سكتت قليلا .. لتقول : .. البنات في
الفسحة يعلقون على (أبلا) نورة ، ويقولون :
"الأبلا ساكنة في شمال الرياض .. وتحسب الناس كلهم
مثلها ، يستطيعون أن يشتروا بضائع أمريكية" .
أندفع الدم إلى وجهي ، وشعرت كأنما لفحتني موجة
حارة .. إنها فوقية المترفين .. إنها (ماري
أنطوانيت) ، التي تطالب الجائعين ، الذين يتظاهرون
من أجل الخبز .. أن يأكلوا (بسكويت) .. أوهي (أبلا
نورة) .. التي تطالب الجوعى والعراة .. أن لا
يشتروا من (مكس) ، أو (نكست) ، أو (فرساتشي) ..
كيف لا تقرأ (أبلا نورة) هذا الوجع والبؤس ..
الساكن في كل قسمة من قسمات تلك الوجوه ، وهي
تصافح عينيها كل صباح .. كيـف تستطيـع أن تعيش في
عالمين منفصلين ..؟ كيف يصنع الترف كل هذه الحجب
الغليظة من البلادة .. واللامبالاة بمعاناة الآخر
.. ووجعه .. وبؤسه ..؟ كيف يهوي الانسان (في
داخلنا) إلى تلك الاعماق السحيقة ، فلا يسمع منه
زفرة ألم .. ولا يتسلل من تلك اللجة الجليدية ..
شئ من مشاعر .. صرخة واهية .. تجاه الحرمان الذي :
يخنق أحلام الصبايا .. يغتال الفرحة في عيون
الأطفال .. ويقتل الكبرياء في جباه الرجال ...؟ ،
، لست وحدك .. هناك ألافا مثلك .. وألافا مثل نورة
.. حينما استقريت على المعقد ، بتلك الحالة
المتوترة ، تطلب الأمر مني وقتا ، لأخرج المفتاح
من جيبي .. ولاحظت ذلك .. عندما بدأت أدير المفتاح
، لتشغيل السيارة ، صدحت اغنية من (الراديو) ،
الذي يبدو أنها قد عبثت به أثناء غيابي .. كان
المغني يردد : "زمانك لو صفا لك يوم ... زمانك ما
صفا لك دوم وعينك لو أهتنت بالنوم ... ترى الأيام
دواره ترى الايام دواره .." للحظـة .. استسلمت
لكلمات الأغنية ، التي فتقت جرحا جديدا .. ثم
أقفلت الراديو .. بانفعال . قالت ، وكأنها تريد أن
تخفف من حدة التوتر ، الذي لاحظته على ، حينما عدت
: - الاغنية كلماتها حلوة .. صح ..؟ لم أرد عليها
.... - ما تسمع أغاني ..؟ - لا .. - حرام ..؟ -
نعم .. - أنت كنت تسمع قبل (شوي) .. - أنت تحققين
معي ..؟ - أنت زعلان .. أنا سألتك .. لأن فيه
معلمة عندنا تقول ، الذي يسمع أغاني كافر .. - لا
.. ليس كفر .. لكن حرام .. - ما فهمت .. - سماع
الأغاني معصية .. ويفسد الأخلاق .. وأنت ما أفسدك
إلا سماع الأغاني . - يعني أنا فاسدة ..؟ ، ، ، -
هذا الذي قمت به .. ماذا تسمينه ..؟ - ...... ران
الصمت بيننا .. بدأ الندم يأكل نفسي .. لقد هدمت
كل ما بنيت هذا الصباح .. بلحظة غضب . أشعر أني
انتقم لنفسي منها .. أن تورطت بها .. أضاعت وقتي
.. وأوقعتني في حيرة .. وحملتني مسئولية الحفاظ
عليها .. أنا الذي لم أعش إلا لنفسي فقط ..
وتحاشيت كثيرا أن أصيخ سمعي لوجع الناس .. أو أجرح
ناظري بمشاهد البؤس والحرمان .. مازالت الذاكرة
تكويني ، باسترجاع تلك المناظر التي رأيتها ..
وبتذكر ذلك الأنين .. الذي اجتاح هدوئي ، في
(مغامرتي) اليتيمه في حي (الأمل) مع عبدالكريم ..
كيف أريد علاجها ، وأنا قد شرعت بإدانتها ..
وتجريمها ..؟ قلت ، بعد أن أستعدت هدوئي ، وبلهجة
بالغت بأن أشعرها من خلالها بالمحبة والحنان : -
موضي حبيبتي .. أليس هذا الذي فعلتيه خطأ ..؟ - صح
.. لكن خلني أسألك سؤال .. أعطني فرصة .. أقول لك
شيء .. - أنا الذي أريد أن أسألك سؤالا .. .. من
هو الشخص الذي كنت معه الصباح ..؟ - لا أعرفه .. -
تركبين مع شخص لا تعرفينه ..؟ - والله العظيم لا
أعرفه .. أصل الموضوع .. البندري .. وأخذت تبكي ..
وتوقفت عن الكلام .. - تكلمي يا موضي .. أرجوك ..
- "أنا شفت إكسسوارات حلوة على زميلتي البندري ..
أعجبتني .. قالت لي : أعجبتك ..؟ قلت لها نعم ..
قالت قولي لأبوك يشتري لك مثلها .." هي تعرف أن
الوالد غير موجود .. لكنها .. وانخرطت بنوبة بكاء
أشد مما سبق .. تركتها حتى سكنت ، وأنا أكثر فضولا
لمعرفة التفاصيل . ، ، شعرت أن المسألة أكبر من
طيش مراهقة ، إلا أنـي لم أجرؤ أن أطلب منها
مواصلة الحديـث . لكنها ، حينما ألتفتت تطلب مني
منديلا تمسح به دموعها ، رأت اللهفة في وجهي ،
لمعرفة تفاصيل الموضوع ، ورأيت أنا في عينيها
انكسارا يذيب الحجر الأصم .. استأنفت الحديث : -
البندري تعرف أن الوالد غير موجود .. لذلك ، قالت
لي : "وإذا ما عندك أب .. لازم يكون لك (صاحب) ..
تطلعين معه .. يشتري لك اللي تبين .. ويؤكلك في
المطاعم" .. قلت للبندري : أنا ما أعرف أحد ، قالت
: "ما يهمك .. أنا أعطيك رقم واحد .. عنده سيارة
(كشخه) .. تكلمينه .. "فعلا .. كلمته أكثر من مره
.. وسمعني كلام حلو .." أمس قال لي .. الصباح لا
تمشين للمدرسة .. روحي للشارع العام .. وأجـيء
أخذك من هناك الساعة 7 " .. فعلا .. رحت للشارع
العام .. وجاء الشخص الذي رأيتني معه ، وركبت ..
كان أول شيء قال لي : "أنا أحبك يا موضي ..
البندري كلمتني كثيرا عنك .. أنت تستأهلين كل خير
.. أنت بس تدللي .." . بعد ما مشينا بفترة بسيطة ،
قال إن فيه (جمس) ، مثل سيارة الهيئة يمشي خلفنا
.. ثم أسرع .. وصدمنا فيك .. كنت أستمع إليها
مذهولا .. أحاول أن أكذب سمعي .. - ومصدقة انه
يحبك ..؟ - لا .. طبعا .. كلام فاضي .. - وأنت
صدقتي البندري .. يمكن الذي اشترى لها الاكسسوارات
أبوها .. ؟ - لا .. أبوها غير موجود .. أمها مطلقة
.. وهي ساكنة مع أمها .. وأبوها ساكن في مدينة
ثانية .. ولا يعترف فيهم ... شعرت برغبة حقيقية
بالبكاء .. البندري أيضا ضحية .. بيت ممزق .. وفقر
.. ألعن من .. غير إبليس ..؟ ، ، - وأنت .. الوالد
أين هو ..؟ ترددت برهة من الوقت .. ثم قالت : -
مسجون ... ثم أضافت ، وقد استحال وجهها إلى الأصفر
الشاحب : .. ولا عندنا أحد يصرف علينا .. في هذه
اللحظة لم أملك أن أمنع نفسي عن البكاء .. أوقفت
السيارة على جانب الطريق ، وبدأت أبكي بكاء صامتا
.. بنفسي هذه الطفلة .. وألاف غيرها .. ألعن من ..
غير إبليس ..؟ جوفي كان يشتعل غيظا .. وعجزا ..
وإحتقارا ، لذات .. ظلت طويلا .. في منفاها
الجليدي ، لا تحس بلهيب المعاناة لبشر .. يتحالف
الفقر ، والحرمان ، والأهمال .. مع (القوانين)
المتخلفة ، والبيروقراطية القبيحة .. المسخ ، في
إذلالهم .. كنت منغمسا في لحظة وجع حقيقي .. أغلق
الدمع عيني ، فلم أعد أرى شيئا ، عندما سحبت يدي
وقبلتها ، وهي تقول بعينين دامعتين ، ووجه صار
مرتعا للألم فقط : - تبكي من أجلي .. يا ليتك ..
يا ليتك .. ثم خنقتها العبرة .. كنت قد عزمت على
أمر بخصوصها .. وأنا أعود إلى السيارة ، بعد أن
تركتها لأصلـي الظهر ، في مسجد على الطريق .. وقع
في نفسي أن أمرها ، يحتاج حلا جذريا .. بعد خروجي
من المسجد ، فوجئت بعدم وجودها في السيارة .. شعرت
كأنما يد قد اخترقت صدري .. وانتزعت قلبي منه ..
تساءلت ..: أين تكون ذهبت ..؟ .. هل هربت ..؟
انتابني شعور مزيج من القلق والسخط .. أشد شيء
آلمني .. إحساسي أنني بعد كل الذي صنعته من أجلها
.. لم تثق بي . ليس أقسى من أن تفقد الثقة .. أو
لا تكون محل ثقة .. لإنسان تحبه . ، كنت على هذه
الحال ، إذ رأيتها تخرج من مصلى النساء .. فأشرق
وجهي .. وأحسست قلبي يعود إلى مكانه .. صرت أخاف
عليها .. وفرحت أنها حريصة على الصلاة .. تبقى
الصلاة ذلك الرباط الوثيق ، الذي يشد الانسان إلى
الخير والفضيلة ، مهما إجتالته الشياطين .. يؤلمني
كثيرا مشهد الانسان الذي لا يصلي .. أشفق عليه من
النهاية البائسة .. أحس أن الصلاة هي العتبة
الأخيرة .. التي يقف الإنسان عليها ، قبل أن يهوي
.. إذا ما تركها ، إلى درك .. يكون فيه ، هو
والحيوان سواء .. قالت وهي تفتح الباب لتركب : -
خفت تطلع من المسجد .. ولا تلقاني .. ثم تروح
وتتركني .. فاستعجلت بصلاتي .. تنهدت ، وقلت في
سري : - "أنا الذي خفت .. أنك رحتي وتركتيني .."
صارت بالنسبة لي ، حبلي الوحيد إلى الحياة
(الحقيقية) ... التحدي الحقيقي لاستعادة إنسانيتي
المهدرة .. الشمعة التي تتقد لتنثر الضوء ، والدفء
في صقيع أعماقي المظلمة .. في الطريق إلى المدرسة
قلت لها : - قبل أن أنزلك عند المدرسة أريد أن نمر
من عند بيتكم ، حتى أعرف مكانه .. ردت بتوجس ،
وكأنها شكت أني سأذهب بها إلى أهلها : - لماذا
...؟ - يمكن أزوركم الليلة .. - والله ..؟ -
إحتمال .. تعرفت على موقع البيت ، ثم توجهت بها
إلى المدرسة .. لم تكـن الطالبـات قد خرجن بعد ..
فانتظرنا في السيارة في شارع مجاور .. كانت أسراب
الطالبات قد بدأت بالخروج من بوابة المدرسة عندما
بادرتني قائلة : - ما قلت لي إسمك .. - محمد ..
نزلت .. وأغلقت الباب .. وبعد بضع خطوات ألتفتت
نحوي ولوحت بأطراف أنا ملها .. خرجت من حي (الأمل)
.. أحمل قلبا .. و(أملا) .. وإنسانية مستعادة ..
عند إحدى الاشارات ، نبهني سائق السيارة الذي
بجواري ، إلى أن الباب لم يغلق جيدا .. التفت
لأغلقة ، فوجدت قصاصة ورقة .. كانت قد كتبتها ..
وتعمدت أن تتركها لأجدها.. قرأتها .. ثم دسستها في
جيبي .. وتأكدت مرة أخرى أن البراءة لو تمثلت
إنسانا ، وسارت على الأرض ، ومشت بين الناس ..
لكانت هي .. صليت العشاء في نفس المسجد .. ثم
أنطلقت باتجاه بيتهم .. كنت قد عرفت منها عدد
إخوانها وأخواتها ، واتفقت معها أن تذكر لأمها أن
إحدى المعلمات تجمع معلومات عن الأسر المحتاجة ،
وأنها قد استدعتها وطلبت منها معلومات عن بيتهم
وأسرتهم .. وصلت .. وقرعت الباب .. كنت مرتبكا
قليلا . أخذت ، وأنا انتظر الرد ، أقلب طرفي فيما
حولي .. لفت نظري أن كل بيت لا يكاد يخلو من طبق
من أطباق الاستقبال الفضائية التلفزيونية (الدش)
.. بل إن بعضها يتربع على سطحه أكثر من واحد ..
تساءلت في نفسي .. : أي واقع إجتماعي سيتشكل ،
عندما يجتمع في هذه البيوت .. الفقر .. والظلم
الاجتماعي والمشاكل الأسرية .. وإنخفاض مستوى
التعليم .. وفضائيات تصب العنف ، والجنس ،
والرذيلة .. في عقول ساكنيها ..؟ هل يمكن أن
يستغرب المرء سلوكا مثل الذي وقع من البندري ..
وموضي ..؟ من أين جاء مفهوم (الصاحب) .. الذي يوفر
ما عجز عن القيام به (الأب الغائب) .. مسجونا كان
.. أو مطلقا .. أو ميتا .. أو حتى عاجزا .. متخليا
عن دوره ..؟ من المسئول عن نشوء مثل هذا (العجز)
المتدور- مرسال جديد
- عدد الرسائل : 14
تاريخ التسجيل : 06/02/2009
مواضيع مماثلة
» قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الثاني)
» قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الاول)
» قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الرابع والاخير)
» قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الاول)
» قصة الطالبة موضي--قصة عجيبة ( الجزئ الرابع والاخير)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى